کد مطلب:309770 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:284

القسمت 07


قال النبی و هو یناول بلالاً حفنة من الدراهم:

- ابتع لفاطمة طیباً.

والتفت إلی «أبی بكر» و ناوله حفنة اُخری:

- ابتع لفاطمة ما یصلحها من ثیاب وأثاث، وخذ معك عمار بن یاسر...

وانطلق جمع من صحابة النبی إلی السوق یشترون جهاز فاطمة.

كان السوق یزخر بمختلف البضائع... بضائع حملتها النوق من مكان بعید..

كان أبوبكر یجیل بصره فی زوایا السوق و فی قبضته دراهم معدودة... ماذا یمكنه أن یشتری بها... و بعد جولة مضنیة دفعته قلّة ذات الید إلی أن یتخیر بضائع رخیصة الثمن فكانت: قمیصاً بسبعة دراهم، و خمار بأربعة دراهم، قطیفة سوداء خیبریة، سریر مزّمل


بشریط، فراشان مصریان؛ حشو أحدهما لیف وحشو الآخر من صوف الغنم، أربعة وسائد من الجلد مما یدبغ فی الطائف و قد حشیت بنبات طیب الرائحة... ستائر رقیقة من الصوف، حصیر مصنوع من سعف النخیل، رحی، اناء نحاسی لغسل الثیاب، سقاء من الجلد، جرة خضراء و بعض الآنیة الخزفیة. و حمل الصحابة جهاز فاطمة متوجهین إلی منزل النبی..

راح النبی یقلب بیده آنیة الخزف وعیناه تتفحصان جهاز سیدة نساء الأرض فتمتم بصوت أقرب إلی الحزن:

- بارك اللَّه لأهل بیت جل آنیتهم من الخزف.

ربما تذكر خدیجة تلك المرأة الثریة التی كانت القوافل التجاریه تحمل ثروتها من بلد إلی بلد وهاهی ابنتها تزف بجهاز من الجلد و الخزف و النحاس.سرعان ما طفت الابتسامة فوق محیاة و هو یری ابنته قادمة، فنهض من مكانه و قبل یدها وراح ینظر إلی وجهها المضی ء یستشف من وراءه صورة زوجته الوفیة و ملامح أمه الرؤوم.

ارتفع صوت بلال جهوریاً یدعو المؤمنین للصلاة؛ الكلمات تنساب هادئة مؤثرة مفعمة بالحب و الأمل و الحیاة؛ و یشعر النبی بأن نبعاً فیاضاً یتدفق فی صدره و یشیع السلام فی قلبه فنهض ملبیاً داعی اللَّه.


المسجد مكتظ بالمسلمین، ینتظرون قدوم «الرسول» لیس للصلاة فقط بل لشی ءٍ آخر. ان النبأ قد أثار استغراب الكثیر؛ یریدون استكشاف هذا الزواج الفرید. ان فتاة مثل فاطمة كان بإمكانها أن تتزوج ثریاً یفرش دربها بالحریر... صحیح ان ابن أبی طالب مثال للفتوة و هو ابن عمّ النبی ولكنه لایملك شیئاً. لقد هاجر حافیاً و ما یزال یعیش حیاة مریرة لایملك شیئاً... ولكن ما بال فاطمة ترضی لنفسها مثل هكذا حیاة..

كان الهمس یدور علی الشفاه. تحلّق المؤمنون حول «النبی» كعادتهم، كفراشات تنظر إلی شمعة تتوهج. أدرك النبی ما یجول فی الخواطر فقال بخشوع:

- أتانی حبیبی جبریل فقال: یا محمد زوجها علی بن أبی طالب فإن اللَّه قد رضیها له و رضیه لها.

وانفض المسلمون و قد ترسخت فی ضمائرهم صورة جدیدة عن الحیاة العائلیة عندما تنهض علی الایمان وحده. لقد اختارت السماء لعلی فاطمة و اختارت لفاطمة علیّاً، و استجابت فاطمة لإرادة السماء طائعة مبتهجة ان شیئا فی أعماقها یشدها إلی علی كما شدّ علیاً لفاطمة. و باركت السماء رغبة علی واستجابة فاطمة، و رفرفت الملائكة بأجنحتها مثی و ثلاث و رباع.


وجد علی فی فاطمة ما كان یبحث عنه فی نفسه، ووجدت فاطمة فی علی ما كانت تنشده فی أعماق روحها، و كان اللقاء علی ید رسول السماء إلی الأرض.. إلی المرأة والی الرجل، لیكون اتحادهما ولادة للإنسان.

وهكذا قدر لأنیس الطفولة أن یكون رفیق درب. كانت فاطمة سعیدة بعلی، تری فی عینیه طیف أبیها.. أبیها الذی تحبه لأنه قادم من عند اللَّه.

أحبت فاطمة علیاً.. أحبت فكره و خیاله، رأت فیه ظلال محمد... حیث نشأت تحت تلك الظلال... أرادت أن تنتقل من بیت والدها إلی كنف رجل یشبه والدها فی كلّ شی ء.

جلس علی فی بیته. استند إلی الجدار الطینی، و قد غاصت أصابع قدمیه فی الرمل اللیّن الذی یغطی أرضیة الحجرة... كلّ شی ء فی البیت ینتظر فاطمة... مشجب الثیاب... المخضب... الرحی.. حتی ذرّات الرمل. فاحت رائحة «الاذخر»؛ ملأت فضاء الحجرة عطراً... و علی ما یزال یترقب قدوم فاطمة و قد مضت ثلاثه أسابیع حسبها علیّ قروناً طویلة.

لابد من خطوة للقاء، وقفزت فی ذهن «الفتی» صورة «حمزة»، فنهض من فوره وحث الخطی نحو منزل عمّه.